ليست هذه هي المرة الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة التي تُكشف فيها النقاب عن اتهامات موجهة إلى رعاة وخدام -من شتى الطوائف- بارتكاب أفعال تحرش، بل واعتداءات جنسية في بعض الأحيان. وفي كل مرة يتم نشر شهادات خاصة بالضحايا، تظهر أنماطًا متكررة لهذه الفعل:
التلاعب بالأدوار "وجه الأبوة الزائف":
في أغلب الشهادات التي تم تداولها (في حالة القس ل.ر. أو غيره من المتهمين السابقين) تتكرر عبارة: "أنا بابا." وهي عبارة يُريد بها الجاني إضفاء شرعية زائفة على تقربه الجسدي، واختراقه المساحة الخاصة لجسد المجني عليه/عليها. عن طريق كلمة "بابا" يَعمد المُعتدي إلى طمس الحدود بين الأدوار المُختلفة التي يلعبها الأفراد الذكور في حياة الضحية: حيث يُستبدل الدور الحقيقي للأب الروحي أو الأب البيولوجي بتلك الصورة المغشوشة، والتي تخلق حالة من التشويش والريبة لدى الضحية بشأن طبيعة هذه الأبوة وحدودها المفترضة.
الوجه الآخر للشيطان:
يعرف الجاني بحكم منصبه نقاط الضعف والأزمات التي يمر بها ضحاياه. في أغلب الشهادات المُتداولة استغل الجاني حاجة ضحاياه للدعم الروحي والعاطفي، ليؤكد أن سلوكه "عادي" ونابع من "محبة أبوية." يُنظر للرعاة عادة كشخصية موثوقة، بل في بعض الأحيان كما ورد في بعض الشهادات "ربنا في الأرض." هذه المكانة تمنحه قوة هائلة للتأثير على الضحايا وجعلهن يشعرن بالذنب أو الخوف من رفض طلباته أو التحدث عن سلوكه.
سلّم الانتهاكات المتدرج:
يتقرب الجاني خطوة خطوة من ضحيته وببطء، كما تكشف الشهادات. بدءًا من تلامس "غير لائق" أو قبلات على "الخد قريبة من الشفاه"، وصولًا إلى لمس مناطق حساسة من الجسد ومحاولات للاعتداء الجنسي. هذا التدرج يجعل من الصعب على الضحايا إدراك طبيعة الخطر في البداية، كما أنه يقلل من احتمالية مقاومتهن أو التحدث عما يحدث. إن أكثر أشكال السلوك إقناعا هي أيضًا الأكثر غموضًا والأكثر صعوبة في تفسيرها.
عزلة الخوف وسلطة الصمت:
يعرف الجاني جيدًا أن الضحية ستخشى التحدث، خوفًا من فضحية، أو عدم تصديق الآخرين لهن، يُمثل هذا عاملًا قويًا في منعهن من الكشف عن الاعتداءات. فبحكم منصب الإكليروس من الصعب تحديه أو مساءلته. عندما يعتقد الشخص أنه لا يخضع لأي رقابة أو مساءلة، ينمو لديه شعور بالقوة المطلقة والسيطرة المطلقة.
لماذا يتحرش "بابا"؟
المُلاحظ في معظم أسماء الجناة من الرعاة والخدام والتي طفت على السطح، أنهم، على اختلاف طوائفهم، يتمتعون بنجاح ظاهري، ويمتلكون مزيجًا خطيرًا من النرجسية والاعتزاز المرضي بالمكانة، بالإضافة إلى دوافع جنسية خفية. يدرك هؤلاء المفترسون جيدًا قوة منصبهم وسلطتهم المطلقة على الضحية. فالراعي هو شخص بالغ يتمتع بسلطة تلقائية، وسلطة روحية نافذة. قوته هنا ليست مجرد قوة جسدية، بل هي قوة كامنة في المنصب نفسه: قوة فكرية، وبلاغة لغوية، وسيطرة عاطفية، وكاريزما آسرة؛ قوة قادرة على إلغاء إرادة الضحية، والتلاعب بها بخفاء. وهكذا، تجد الضحية نفسها في مأزق. لقد تم تهيئتها تدريجيًا لتضع ثقة عمياء في هذا الشخص "بابا" كما يُفترض أن يكون، ثم يقع المحظور. ينتاب الضحية الارتباك والشعور بالذنب والخزي بعد أن تبدأ الصدمة في التلاشي. ثم الخوف بالتحدث عما حدث فلن يصدقها أحد.