“ما جمعه الله لا يُفرقه إنسان؟”: ما الذي يعنيه هذا؟

 

لتحميل المقال في صورة PDF

https://shorturl.at/JVXig


ما هو الزواج؟: التأسيس

التعريف الكلاسيكي للزواج هو اتحاد بين شخصين، عادةً رجل وامرأة، معترف به اجتماعيًا وقانونيًا ودينيًا في كثير من الأحيان، وينطوي على حقوق ومسؤوليات وتوقع التزام مدى الحياة؛ ويترتب على فض هذا الاتحاد تبعات قانونية واقتصادية واجتماعية. لذلك، فالزواج مؤسسة وبنية تقع في قلب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع.[1]

كان الزواج أحد أهم المؤسسات الاجتماعية الأساسية طوال العصور القديمة، وعنصرًا رئيسًا في حياة الرجال والنساء من مختلف الفئات الاجتماعية.[2] وتقترح الدراسات إلى أن الزواج في المجتمعات القديمة كان حاسمًا في تحديد مسؤوليات القرابة، وتعزيز الهياكل الاجتماعية من خلال التحالفات، والاتحاد بين الطرفين لبناء الأسرة، وإنتاج النسل، وكذلك تعزيز تماسك الطبقة الاجتماعية، وتحقيق الأهداف السياسية والديموغرافية، وإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الأسرية.[3]

في قصة الخلق الكتابية، تُعد قصة آدم وحواء أساسًا لفهم الزواج في التقليد اليهودي-المسيحي. تحدد قصة الخلق في سفر التكوين التأسيس الإلهي للزواج من خلال تكوين أول زوجين بشريين، آدم وحواء، داخل جنة عدن. ويعمل السرد كإطار لاهوتي لفهم مؤسسة الزواج المقدسة، وتوضيح أهميتها والغرض منها وخصائصها المتأصلة من بدء الخليقة. ففي البداية، يؤكد التصوير الكتابي للزواج في خلق آدم وحواء على أصله الإلهي وقدسيته. وفقاً لتكوين 18:2-25، علم الله حاجة آدم إلى الرفقة، وبالتالي شكل حواء من ضلعه، وقدمها كشريكة مناسبة. يرمز فعل الخلق الإلهي هذا إلى الاتحاد المقصود بين الرجل والمرأة، من قِبل الله، ويجعل من مؤسسة الزواج فعلاً إلهيًا مباشرًا، حيث يتدخل الله بنفسه لخلقة آدم ثم ليعمل المرأة من جسد آدم، كتحقيق لكونهما جسدًا واحدًا من البدء.

هكذا، يُعتبر نص التكوين هو النص المُؤَسس لمبدأ الزواج. مثلما ذكرنا، بينما رأي الله في كل ما خلق أنه “حسن”، رأي أنه “ليس جيدًا أن يكون آدم وحده.” لم يكن آدم هو الذي طلب رفقة، كان الأمر ضمن التصميم الإلهي للخليقة أن يكون لآدم “مُعينًا نظيره.” هذا يعني عمق الارتباط بين الرجل والمرأة، فالمرأة خُلقت من نفس جسد آدم، من ضلعه. وكأن هذا التصوير يُعلن أنه بينما آدم فقد أحد أضلاعه، فهو حين اتحد مع امرأته يعود الضلع إلى مكانه مرة أخرى ليشكلا معًا جسدًا واحدًا بفعل إلهي مباشر، كما كان في الأصل.

أيضًا، تكشف قصة خلق آدم وحواء الطبيعة التكاملية للزواج، حيث تم تصميم الرجل والمرأة لتحقيق أدوار متميزة، ولكن مترابطة داخل الاتحاد الزوجي. صُنعت حواء على أنها “مساعدة” تتوافق مع آدم، في شراكة تتميز بالدعم المتبادل والرفقة والمسؤولية المشتركة. عندما رأى آدم حواء، صرخ قائلاً: “هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت” (تكوين 2: 23). هنا، يكشف آدم عن طبيعة الوحدة العميقة والحميمية بين الزوجين، فهما من ذات الجسد الواحد.

كل هذا يعني أن هذه الرابطة الكائنة منذ البدء، والتي لا تنفصل هي التي تحدد هوية الزواج. إن مفهوم أن نصير “جسدًا واحدًا” يلخص الاتحاد الروحي والعاطفي والجسدي الذي أسست من خلاله العلاقة الزوجية، وهو ما يَدُل على طبيعته التي يُفترض أن تكون غير القابلة للانحلال.

كذلك، تكشف الوصية الإلهية في خلق آدم وحواء على التفويض الإلهي بالإنجاب ضمن الاتحاد الزوجي. يبارك الله آدم وحواء، ويأمرهما أن “يثمرا ويكثرا” (تكوين 1: 28)، هكذا مؤكدًا، دور الزواج في انتشار الحياة البشرية. وهذا ما يُضيف بُعدًا آخرًا للزواج كشركة مقدسة أنشئت لاستمرار الجنس البشري، حيث يتعاون الزوجان مع الله في خلق حياة جديدة.

كيف نفهم إذًا الزواج من منظور إلهي؟

قد لا يكون الأمر بهذه الصعوبة. اللبنة الأولى التي تقوم عليها بنية الزواج، هي “العلاقة/الشركة” بين طرفين تمامًا كما في قصة سفر التكوين. ولا يمكن أن يقوم الزواج دون هذه اللبنة. ودون فهم طبيعة هذه “العلاقة” لا يُمكن فهم جوهر الزواج. بالتالي، فالسؤال إذًا: كيف يُمكن أن نفهم موضوع “العلاقة” من منظور الله؟!

استخدام “علاقة الزواج” كاستعارة (استعارة) metaphor

في العهد القديم، تظهر “علاقة الزواج” باعتبارها استعارة بارزة تصور علاقة العهد بين الله وإسرائيل. في معظم أسفار العهد القديم، يتم استخدام صور الزواج لتوضيح الرابطة الحميمة والإخلاص والالتزام الدائم الذي يميز علاقة الله مع شعبه المختار (هو 1- 3؛ أر 2- 3؛ حز 16، 23؛ إلخ)­. في هذا الإطار الاستعاري، فالزواج لا يُوضح طبيعة محبة الله العهدية تجاه إسرائيل فحسب، بل يكشف على الأهمية اللاهوتية لعلاقة الزواج في السرد الكتابي. يحتل العهد وعلاقة الله بشعبه الموضوع الرئيسي للكتاب المقدس، ويدور كل شيء حول عهود الله. فقد استخدمت كلمة “عهد” مائتي مرة في العهد القديم، بالإضافة إلى الكلمات الأخرى المرتبطة بها.[4]

هناك نقطة جديرة بالاعتبار، والتي تكشف عن أهمية “استعارة علاقة الزواج”، فهي استعارة يتفرد به العهد القديم ولا تتكرر في أيًا من نصوص الشرق الأدنى الأخرى.[5] يعكس الالتزام الحصري في استعارة الزواج، ذلك الالتزام بين الله وشعبه، حيث علاقة يهوه بشعبه هي علاقة متفردة وغير متكررة في آلهة حضارات الشرق الأدنى الأخرى.[6]

هكذا، لأجل فهم “علاقة الزواج” من المنظور الإلهي، سنلجأ هنا لمُقاربة عكسية. أي أنه من خلال فهم طبيعة وجوهر العلاقة العهدية بين الله وشعبه، سنحاول فهم علاقة الزواج من منظور إلهي.

ما هو العهد؟!

تكشف دراسة موضوع “العهد” في حضارات الشرق الأدنى القديم والمعاصرة لإسرائيل العهد القديم أن هوية “العهد” تقوم على: الروابط (العلاقة)، والقسم، والإيمان من جهة، واللطف، والصداقة، والمحبة، والأخوة، والسلام من جهة أخرى.[7]

وفي العهد القديم فالجذر الأكثر احتمالاً للكلمة العبرية “عهد בְּרִיתִ֖” هو “ברת” والذي يعني “يربط معًا”، ثم تطور المعنى ليُصبح “مُعاهدة” أو “ميثاق.”[8] تُستخدم هذه الكلمة بجانب مجموعة أخرى من الكلمات والأفعال للإشارة إلى العهد. ومن الناحية اللُغوية فالعهد בְּרִיתִ֖ هو علاقة من الولاءات والتي تتضمن التزامات مُتبادلة.[9]

ودون الدخول في تفصيلات لُغوية أخرى، فهناك كلمة بارزة تأتي في أُطر عدة من ضمنها موضوع “حفظ العهد”، وهي كلمة ” חַסְדְּ” والتي تُترجم “الأمانة” أو “الولاء.” تُستخدم الكلمة كمصطلح أخلاقي في سياق الكلام عن أي عهد.[10] من الصعب ترجمة الكلمة إلى اللغات الأخرى حيث إنها تتضمن أكثر من معنى، لكن في جميع معانيها تشمل كل من “الحب” و”الأمانة”، وتعني “مواصلة الالتزام بثبات حتى النهاية.”[11] وفي إطار العلاقة الزوجية (أنظر تك 20: 13 على سبيل المثال)[12] فكلمة “חַסְדְּ” هي التي تُميز العلاقة بين الزوج والزوجة، والتي وفقًا لها يتصرف كل منهما تجاه الآخر، وتعني في الوقت نفسه الولاء والالتزام بالواجب تجاه الآخر.[13]وفي إطار العهد الإلهي، يُفهم مبدأ “חַסְדְּ” كعلاقة يهوه العهدية مع شعبه، والتي تشمل الولاء، الدعم، والحب المُتبادل.[14] وبعبارة أخرى فهذا المبدأ يعني أن “يكون المرء حافظًا للعهد أو سالكًا بطريقة مُساندة ولائقة نحو شريك العهد.”[15]

في العهد القديم، كانت المبدأ الأخلاقي العام للعهد الإلهي هو “الأمانة/الولاء/الرحمة חַסְדְּ” والذي يحكم المبادئ الأخرى للعهد: 1) البر (تث 6: 24- 25؛ أخ 6: 23)، 2) فعل الصواب (تث 33: 21ب؛ مز 119: 66؛ مي 6: 7)، 3) الطاعة (الشماع) (خر 19: 5؛ تث 6: 3؛ تث 28: 1-2)؛ 4) الاستقامة/الكمال/النقاوة (تك 20: 5-6؛ خر 20: 7؛ خر 23: 6-7)؛ 5) الأمانة/الإخلاص (تث 32: 4؛ حب 2: 4؛ نح 9: 33؛ مز 89: 24، 33؛ مي 7: 5)؛ 5) الالتزام الرسمي (أش 58: 2؛ عا 3: 2؛ هو 13: 4- 5).[16]

في العهد الجديد، أضاف المسيح لأخلاقيات العهد، وأصبح المبدأ الأخلاقي العام هو “الاقتداء بالمسيح/ التشبه بالمسيح imitatio Christi” والذي يحكم المبادئ الأخرى للعهد: 1) المحبة (يو 13: 34)، 2) الخدمة/البذل/الإخلاء (مت 2: 28؛ في 2؛ لو 22: 26)؛ 3) الخضوع (عب 5: 8).[17]

أخلاقيات العهد

الاقتداء بالمسيح- الأمانة  الولاء- المحبة- البذل- الإخلاء- الخضوع- الالتزام

 



 العهد والزواج

تشير الدراسات إلى أن الاستعارة هي أداة لغوية إبداعية تسمح بالتعبير عن مفهوم ما وفهمه بدلالة مفهوم آخر، وبالتالي تسمح لنا بتجربة مفهوم من خلال آخر.[18] يُمكن إيجاز استخدام علاقة الزواج كاستعارة لتصوير علاقة العهد بين الله وشعبه كالتالي:

1) تستخدم علاقة الزواج كمُعَبِّر عن عمق محبة الله والتزامه تجاه إسرائيل. وكما يتعهد الزوج بإخلاص زوجته مدى الحياة، فإن الله يتعهد بالإخلاص الثابت لأمة إسرائيل (تك 17: 7-10، 19؛ خر 31: 16؛ تث 4: 31؛ تث 7:9؛ تث 7: 12؛ قض 2: 1؛ 1أخ 16: 17؛ نح 9:32؛ مز 89: 34؛ مز 111: 5؛ اش 54: 10؛ إلخ). كثيرًا ما يستخدم الأدب النبوي الصور الزوجية لتصوير الله كزوج أمين وإسرائيل كعروسه الحبيبة، مع التركيز على الطبيعة الدائمة لعلاقتهما العهدية على الرغم من تجاوزات إسرائيل وخيانتها. على سبيل المثال، وكما سنرى لاحقًا، في سفر هوشع، يصور النبي سعي الله المتواصل لعروسه الخائنة، إسرائيل، موضحًا التزامه الثابت باستعادة ومصالحة شعبه لنفسه.

2) استخدم الزواج كاستعارة للتأكيد على حصرية علاقة العهد بين الله وإسرائيل. لذا يستخدم الزواج كرابطة عهدية بين شخصين، لتصوير هذه العلاقة الفريدة والحصرية، والمتميزة بين الله وشعبه (خر 19: 5؛ خر 23: 32؛ خر 34: 12، 15؛ 2مل 17: 35؛ إلخ). من خلال هذا التفرد والحصرية، يكشف الله عن المكانة الخاصة لإسرائيل كشعب الله المختار، المدعو لتجسيد قداسته ويكون بمثابة نور للأمم. وهكذا فإن العلاقة العهدية تبرز العلاقة الحميمة والحصرية بين الزوج والزوجة.

3) استخدم الزواج ليكشف عن محبة الله ونعمته في فداء شعبه. فعلى الرغم من عدم أمانة إسرائيل وعصيانها، إلا أن الله يظل ثابتًا في محبته، ويمد باستمرار نعمته وغفرانه لعروسه الضالة (تث 31: 20؛2مل 13: 23؛ 2أخ 21: 7؛ أش 49: 8؛ إلخ). من خلال الصور النبوية للمصالحة الزوجية، ينقل العهد القديم الأعماق العميقة لمحبة الله ورغبته في تجديد عهده مع شعبه، ويدعوهم إلى التوبة والاسترداد. وهو ما يكشف عن طبيعة العلاقة الباذلة والغافرة في الزواج.

4) تستخدم استعارة الزواج للتأكيد على البُعد الأخروي لعلاقة الله العهدية مع إسرائيل. يتصور الأنبياء استعادة مستقبلية حيث سيكمل الله علاقته مع شعبه، إيذانًا بعصر جديد من السلام والازدهار والحضور الإلهي (أر 31: 31، 33، 40؛ حز 34: 25- 26؛ إلخ). ترمز صور وليمة الزفاف والاتحاد الزوجي إلى التحقيق النهائي لوعود الله العهدية، حيث ستعيش إسرائيل في شركة كاملة مع زوجها الإلهي إلى الأبد. هذا الرجاء الأخروي يكشف أيضًا عن حقيقة الاتحاد الأبدي المُفترض في العلاقة الزوجية.

الزنا وكسر العهد

5) مثلما استخدم العهد القديم مُقاربة “علاقة الزواج” كاستعارة للعهد بين الله وشعبه؛ فهو يستخدم “علاقة الزنا זָנָה” كاستعارة للتعبير عن كسر العهد. يُشير مصطلح الزنا “זָנָה” إلى معنيين: 1) علاقة جنسية غير شرعية (أي ينتهك ميثاق علاقة خطوبة أو زواج)، 2) ممارسة الدعارة أي الجنس مقابل المال.[19] يُستخدم مصطلح الزنا كاستعارة لكسر العهد في إطار عبادة الشعب لآلهة أخرى غير يهوه (قض 2: 17 “زَنَوْا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى”؛ قض 8: 33 ” رَجَعُوا وَزَنَوْا وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ”؛ 1أخ 5: 25 ” وَخَانُوا إِلهَ آبَائِهِمْ وَزَنَوْا وَرَاءَ آلِهَةِ شُعُوبِ الأَرْضِ؛ أر 5: 7 ” بَنُوكِ تَرَكُونِي وَحَلَفُوا بِمَا لَيْسَتْ آلِهَةً. وَلَمَّا أَشْبَعْتُهُمْ زَنَوْا، وَفِي بَيْتِ زَانِيَةٍ تَزَاحَمُوا”؛ إلخ).

ماذا يقول لنا العهد الجديد عن الزواج والطلاق؟

الأربعة أناجيل

متى 5: 31-32 (الموعظة على الجبل) “وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقٍ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي.”

متى 19: 3- 12 (سؤال الفريسيين ليجربوه) ” وَجَاءَ إِلَيْهِ الْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟» فَأَجَابَ: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَراً وَأُنْثَى؟»   وَقَالَ: «مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إذاً لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ، بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ». فَسَأَلُوهُ: «فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَقٍ فَتُطَلَّقُ؟»  قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلَكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَبِ الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي».   قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «إِنْ كَانَ هَكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!»

في كل من مت 5 ومت 19، من المؤكد أن يسوع يُشير إلى نص تثنية 24: 1- 4، حيث سمح موسى بالطلاق وإعطاء المرأة كتاب طلاق، والحرية أن تتزوج مرة أخرى. هنا، يسوع يمنع الطلاق “إلا لعلة الزنا”، ويمنع الزواج من المطلقة. كان الزنا لفترة طويلة سببًا للطلاق في القانون اليوناني الروماني واليهودي. في الواقع، أجبر القانون الروماني واليهودي الزوج على تطليق زوجته إذا ثبت أنها في حالة زنا؛ وكان القانون الروماني منذ أغسطس يتضمن عقوبات على الزوج الذي يفشل في القيام بذلك، حيث كان يعتبره “قوادًا” لزوجته.[20]

في مت 19، كان اختبار الفريسيين يهدف إلى معرفة إلى أي مدرسة ينتمي يسوع. ناقشت المدرستان الرئيسيتان لمعلمي الفريسيين معنى تثنية 24: 1، حيث يجد الرجل ” عَيْبَ עֶרְוַ֣ת شَيْءٍ” (عورة، أمر فاحش، عري) في زوجته وبالتالي يطلقها. فسرت مدرسة شمعي تثنية 24 على أنها تشير إلى أنه يمكن للرجل أن يطلق زوجته فقط بسبب الخيانة (الزنا)؛ بينما فهمت مدرسة هليل هذا المقطع على أنه يعني أنه يمكن للرجل أن يطلق زوجته لأي سبب، حتى لو كانت قد أفسدت طبقه. فهم مُترجم النص السبعيني، مثل مدرسة شمعي أن ” عَيْبَ עֶרְוַ֣ת شَيْءٍ” تعني ” ἂσχημον πρᾶγμα” أمرًا مُخزيًا أو مُشينًا. من المُحتمل أنها إشارة لأمر جنسي (ق. مع أش 50: 1 “هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «أَيْنَ كِتَابُ طَلاَقِ أُمِّكُمُ الَّتِي طَلَّقْتُهَا”). الجدير بالذكر أن نصوص قمران فيما يبدو أيضًا كانت تمنع الطلاق لأي سبب كان.[21]

وفقًا لوثائق الشرق الأدنى القديمة، كانت الدوافع النموذجية للطلاق تشمل الغياب الزوجة عن المنزل، وإهدار ممتلكات الزوج أو اختلاسها، وإذلاله، والحرمان من الحقوق الزوجية، والزنا[22]، ومن الواضح أن اليهود -خاصة أتباع مدرسة هليل- قد وسعوا في أسباب الطلاق، وصاروا هم المهيمنين في أيام يسوع.

من المهم أن نلاحظ أيضًا أن “شرط الاستثناء”: إلا بسبب الزنا في متى 19 يتبع تعليم يسوع بأن الوضع المثالي في تخطيط الله هو عدم الطلاق على الإطلاق، لأن “الذي جمعه الله لا يفرقه إنسان” (متى 19: 6). لذا، ليس من قبيل الصدفة أن تعليم يسوع في متى عن الالتزام الزوجي يتبع مباشرة تعليمه عن الغفران (18: 21-35)، تمامًا كما يأتي في مرقس بعد مناقشة الخطيئة/العثرة ضد “الصغار” (مرقس 9: 42-35). 50؛ قارن متى 18: 7-9).[23] هكذا، يُفترض بالطلاق أن يكون الملاذ الأخير، حتى في حالة الزنا. إن إجابة يسوع هنا- مُستحضرًا صورة سفر التكوين- تشي أن الأمر لا يتعلق بما إذا كان للناس “الحق” في الطلاق (الجانب القانوني)، بل ما إذا كان هذا يمكن أن يكون متوافقًا مع مشيئة الله (الجانب الأخلاقي والروحي).[24]

ما هو الزنا؟

يجب الملاحظة أن الكلمة اليونانية الزنا πορνεία تستخدم للإشارة للزنا إما بطريقة حرفية أو بطريقة مجازية[25]، أي الانحلال الجنسي بشكل عام.[26] يُعطينا يسوع لمحة عن المقصود في مت 5، “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.” (مت 5: 28)، وهو التعليم الذي اتفقت عليه أغلب المدارس الرابينية المختلفة.[27] وبعبارة أخرى، يقول يسوع أن الزواج في نظر الله هو عهد مدى الحياة ولا ينبغي أن ينقطع، ولكن عندما يحدث “الزنا” من نوع أو آخر، فإن هذا يكسر الرباط في نظر الله. بطريقة أخرى، فالزنا في العهدين القديم والجديد يعني عدم الإخلاص الجنسي -سواء بممارسة فعلية أو حتى بالفكر- لشريك العهد. يُفترض بالفعل الجنسي أن يُكون مرتبطًا بالحميمية، تتطلب علاقات الحب أسسًا متينة من الالتزام تجاه الشخص الآخر، والعطاء من أنفسنا، وبناء الحياة معًا، يومًا بعد يوم. يأتي الجنس كتعبير جميل عن الحب الذي يتقاسمه الزوجان على مستوى أعمق، مما يعزز هذا الحب ويغلقه عبر الاتحاد الجسدي “جسدًا واحدًا.”

لنشرح الأمر أكثر، يُفترض في الارتباط الزيجي أن يكون ارتباطًا حميميًا intimate، تعني الحميمية انفتاحًا تامًا عن طريق مشاركة مشاعرك وأفكارك مع الشريك، والشعور بالراحة عند تعرضك للخطر، ومعرفة أنه سيكون هناك من أجلك. هو انفتاح لا يخشى إظهار الضعف أو الفشل. يتعلق الأمر بإنشاء تجارب مشتركة معًا تنصهر في قصة واحدة. ويُفترض بالجنس (الانفتاح الجسدي) أن يكون المُعبر الأقصى عن الحميمية، قد يتشارك الناس أي شيء بينهم لكنهم لا يُشاركون أجسادهم فهي أمر شديد الخصوصية، والانفتاح جسديًا بهذه الصورة على الآخر يُفترض به أن يكون مُعبرًا عن الحميمية لا مُعبرًا عن الرغبة التي تشيئ الآخر.

يُحطم الزنا بكل أشكاله هذه الحقيقة. فهو يكسر روابط العهد ويحطم مفهوم الوحدة: وهما الأساسان اللذان يقوم عليهما الزواج، وعند تحطمهما لا يظل الزواج قائمًا.  يُفترض بهذا المبدأ أن يكون نقطة الانطلاق في مفهومنا عن الطلاق: ماذا الذي يحطم قاعدتي الزواج: العهد والوحدة؟ بالتأكيد الزنا بكل أشكاله هو الأمر الأول. بالتأكيد الهجر (أن يترك شخص شريكه) دون عودة هي أمر مُحتمل، وقد تكون أمور أخرى كثيرة.

كسر العهد والطلاق

مثلما ذكرنا، فالطلاق مرتبط بكسر العهد. يُفترض أن يعني الزنا، كمقابل “للعهد” وكُمرادف “لكسر العهد”، الخيانة وعدم الأمانة والتي تؤدي لكسر العهد وكسر الوحدة. يُمكِنَك أن تُراسل صديقتك التي تعطيك دائمًا شعورًا بالإطراء، ويُمكِنُكِ أن تُشاغلي رئيسك في العمل حتى تحصلي على ترقية. يُمكنك أن تَدَّعي أنك تُحب أخرى، أو أنكِ تحلمين برجلِ آخر. في النهاية، كل هذا يعني ببساطة كسر العهد أي الزنا. كان يسوع يُعَلِم بهذا تمامًا، فالزنا لم يُكن مُجرد خيانة جسدية: “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.” (مت 5: 28). لا تعني “يشتهي ἐπιθυμία” الرغبة الجنسية فقط، بل تعني الرغبة الخاطئة بشكلٍ عام، إنَّ ἐπιθυμία شرٌّ، ليس لأنها أمر غير عقلاني أو غير جائز، بل لأنه عصيانٌ لأمر الله.[28]

حينما ينكسر العهد بين زوجين مؤمنين بطريقة أو بأخرى، فهناك طريقان: إما الغفران واستكمال الطريق، أو الانفصال. لكن يفترض بالطرفين المؤمنين أن يظلا معًا، عليهما أن يتجاوزا معًا ويقدمان الغفران، هذا التجاوز ليس مجرد نسيان للخطأ، بل هو عملية واعية تتضمن المواجهة الصادقة للألم، والاعتراف بالضعف البشري، والسعي نحو الشفاء. وعليهما أن “يُقدما الغفران”، تمامًا مثلما قدمه المسيح على الصليب، متشبهين به.

الغفران هنا ليس تبريرًا للخيانة أو تقليلاً من شأنها، فالزنا بكل أشكاله يحطم حقيقة الوحدة والانفتاح الحميمي المفترض في الزواج. إنما هو قرار إرادي، مُستلهم من غفران الله نفسه، يهدف إلى تحرير النفس من مرارة الماضي وفتح الباب أمام إمكانية المصالحة. تعليم يسوع ذاته عن الالتزام الزوجي يأتي في سياق تعاليمه عن الغفران (متى 18: 21-35)، مما يُشير إلى أن الغفران هو الخيار الأول الذي ينبغي اللجوء إليه، حتى في الحالات التي تُجيز الطلاق كعلة الزنا. إن السعي نحو استكمال الطريق معًا بعد كسر العهد يتطلب من كلا الطرفين المؤمنين جهدًا صادقًا. يتطلب من الطرف المُخطئ توبة حقيقية وندمًا عميقًا، وتغييرًا جذريًا في السلوك والفكر. ويتطلب من الطرف المُصاب استعدادًا للصفح، رغم صعوبته، ورغبة في إعادة بناء الثقة المفقودة، وهي عملية قد تكون طويلة وشاقة. إن مفهوم “الجسد الواحد” الذي حُطم بالخيانة يحتاج إلى معجزة من النعمة الإلهية والجهد البشري المشترك ليُعاد ترميمه. الأمر لا يتعلق فقط بما إذا كان للناس “الحق” في الطلاق من الناحية القانونية، بل ما إذا كان هذا يمكن أن يكون متوافقًا مع مشيئة الله من الناحية الأخلاقية والروحية. إن اختيار الغفران والمصالحة، رغم كونه طريقًا صعبًا، هو الشهادة الأقوى على قوة الإيمان وقدرة محبة المسيح على شفاء أعمق الجراح واستعادة ما يبدو أنه قد فُقد إلى الأبد.

إشكاليات لا يُمكن تجاهلها

لو اتخذنا من دولة مصر مثالاً حيًا على  الإشكالية المعقدة لموضوع الزواج والطلاق، نجد أن قوانين الأحوال الشخصية المصرية تفرض على المواطنين المسيحيين مسارًا واحدًا لإتمام الزواج، وهو القناة الكنسية. فلا يُمكن لأي اثنين يحملان بطاقة هوية تُشير إلى ديانتهما المسيحية، ويرغبان في الارتباط الرسمي، أن يعقدا زواجًا مدنيًا خارج أسوار الكنيسة، حتى لو كانت هذه هي رغبتهما أو قناعتهما. هذا الإلزام القانوني، الذي يبدو في ظاهره حمايةً للطقس الديني، قد أفضى إلى وضعٍ شائك؛ حيث يُجبر أي شخص تحمل وثائقه الرسمية صفة “مسيحي” – سواء كان مؤمنًا حقيقيًا، ملتزمًا بتعاليم الكنيسة ومدركًا لأبعاد الزواج العهدي الذي يُقدم عليه، أم كان مسيحيًا بالاسم فقط، بعيدًا كل البعد عن الحياة الإيمانية ومعرفة الله – على إتمام مراسم الزواج داخل الكنيسة. حتى لو لم تكن لديه الرغبة الصادقة في ذلك. أدى هذا لتضاعف حالات الانفصال والطلاق بشكلٍ كبير. والسؤال هنا: هل يُمكن اعتبار زواج أشخاص بهوية مسيحية لكن غير مؤمنين، زواجًا مسيحيًا؟ أم هو مُجرد عقد زيجي قانوني تم إضفاء صبغة دينية شكلية عليه، لكنه يفتقر إلى الجوهر الحقيقي وهو العلاقة العهدية بين الطرفين، وبينهما وبين الله، تلك العلاقة التي تقوم على الإيمان المشترك، والالتزام المتبادل، والفهم العميق لمعنى أن يصير الاثنان “جسدًا واحدًا” في المسيح؟

نموذج آخر، وهو الزيجات المُدبرة أو الزيجات التي يتم فيها إجبار فتاة على الزواج سواء كان صريحًا أو ضمنيًا، سواء بشخص يتناسب معها عمريًا أو لا يتناسب معها. هل يُمكن اعتبار هذه الزيجات التي تُبنى على الإكراه أو غياب الإرادة الحرة والقبول المتبادل هي زيجات مسيحية بالمفهوم العهدي؟

إن معالجة هذه الإشكاليات العميقة، تتطلب، تغييرات قد تكون جذرية في منظومة الزواج القانونية والرعوية في الكنيسة. تحتاج الكنائس إلى تطوير آليات أكثر دقة للتمييز بين الإيمان الاسمي والإيمان الحقيقي، وبين الرغبة في إتمام شكل اجتماعي وبين الدخول الواعي إلى عهد مقدس. كما تحتاج إلى توفير مساحات أكبر من الحرية والمسؤولية للأفراد في اتخاذ قرارات مصيرية كالزواج، مع التأكيد على أن الإكراه والرفض يبطلان جوهر العقد والعهد على حد سواء. كما تحتاج المنظومة القانونية المدنية الي تعديل يُتيح للمسيحين الزواج المدني خارج إطار الزواج الكنسي.

أمور إضافية عن الزواج: بولس الرسول (1 كو 7)

السياق العام 1 كو 7

يناقش بولس في هذا الإصحاح ثلاث أمور:

  1. الزواج والعزوبية
  2. الطلاق
  3. البقاء في زواج مع غير المؤمن

كانت كورنثوس تتمتع بموقع عسكري وتجاري استراتيجي لأنها كانت تسيطر على قسم استراتيجي من الحركة البرية بين إيطاليا وآسيا عبر برزخ كورنثوس. وبالتالي، فقد اشتهرت بثروتها ومعابدها وطقوسها الدينية ورذائلها، وخاصة الرذائل الجنسية. لقد كانت مكانًا يقدم كل أنواع التجارب الجنسية المتاحة للرجال (لذا فإن عبارة “التصرف مثل الكورنثيين” تعني الانخراط في الفجور الجنسي) وكان مصطلح “الفتاة الكورنثية” كناية عن عاهرة.[29]

تتفق معظم الدراسات على الخلفية الرواقية لعالم كنيسة كورنثوس. كان الموقف الرواقي تجاه الزواج متباينًا، في حين أن الرواقية لم تدافع بطبيعتها عن العزوبية، إلا أنها أدركت الفوائد المحتملة للعزوبة للأفراد الملتزمين بالسعي وراء الحكمة والتميز الأخلاقي. العزوبية، من وجهة النظر الرواقية، يمكن أن تكون وسيلة لجعل حياة الفرد أبسط، وفي تشتيت أقل، والتركيز على السعي وراء الفضيلة والتأمل الفلسفي.

في القرن الأول، انقسم الرواقيون فيما بينهم حول الموقف من الزواج إلى نظرتين:[30]

  1. الزواج كواجب: اعتقد بعض الرواقيين، أن الوفاء بالواجبات الاجتماعية أمر مهم. وكان يُنظر إلى الزواج وإنجاب الأطفال على أنهما وسيلة للمساهمة في المجتمع وضمان استمراره. إن تحقيق هذه الأدوار تجعل الشخص أقرب إلى العيش وفقًا للطبيعة، وهو مبدأ رواقي رئيسي.
  2. الزواج باعتباره إلهاءً: رأى الرواقيون الآخرون، خصوصًا الكلبيين الذين تداخلوا مع الفلسفة الرواقية، أن الزواج إلهاء. على سبيل المثال، جادل إبكتيتوس بأن مسؤوليات الزواج يمكن أن تبتعد عن السعي وراء الحياة الفلسفية، وهو هدف مركزي للرواقيين.

(1) من المرجح بشدة أن بولس كان يواجه هذا الجدال في كورنثوس، وأنه أعضاء الكنيسة قد كتبوا إليه بهذا الشأن: “وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا: فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً.” كانت كورنثوس كنيسة وليدة منذ عدة أعوام فقط، ومن المُرجح أيضًا أن بعض أعضائها، والذين نظروا إلى الزواج باعتباره إلهاءً، رأوا في بولس – كرجل أعزب- دعمًا لموقفهم. يجب الملاحظة أن بولس هو رجل يهودي، والموقف اليهودي بشأن الزواج هو موقف إيجابي، ووصية إلهية. لكن، بولس لإدراكه الموقف في كورنثوس، يمتدح عدم الزواج -فهو نفسه غير متزوج- لكنه يؤكد أن كلامه هذا هو “عَلَى سَبِيلِ الإِذْنِ لاَ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ.” (1كو 7: 6). ويُشير أنه بينما يُفضل أن يكون جميع الناس كما هو غير متزوجين للتفرغ للخدمة؛ فهو يؤكد أن الأمر مُختلف من واحد لآخر بحسب دعوته: ” لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ مَوْهِبَتُهُ الْخَاصَّةُ مِنَ اللهِ. الْوَاحِدُ هَكَذَا وَالآخَرُ هَكَذَا.” (1كو 7: 7).

(2) في (1كو 7: 10- 11) يبدو أيضًا، أنه كان هناك سؤال عن الطلاق، يجيب عليه بولس (1 كو 7: 10- 16).  الكلمات “يفارق” و”يترك” هي مرادفات للطلاق. في العالم الروماني- وعلى خلاف العالم اليهودي- يُمكن للزوجة أن تقوم بالطلاق. يُعطي بولس الوصية هنا للطرفين مُقتبسًا كلمات يسوع. تبدو هذه القضية مهمة للغاية بالنسبة لبولس، فهو يؤكد على غير العادة أنها “وصية الرب.” فَهَمَ اللاهوتيون الأوائل نص بولس أيضًا على هذا الطريقة.[31]لكن، يُضيف بولس استثناءً في الآية 11 موجه فقط إلى الزوجة: إذا تركت زوجها لسبب ما، فلتبقى “غير متزوجة” أو تصالح زوجها.[32]لا يشرح بولس السبب المقصود. من المُحتمل أن بولس كان يقصد بعض الأسباب الأخرى التي سمح بها العالم الروماني، بحسب القانون الروماني ينفصل الزواج إذا وقع أحد من الطرفين في الأسر أو العبودية[33] (وعلى الأرجح سيكون الرجل)، أحد الأسباب الأخرى التي تسمح للزوجة بتطليق زوجها هي إذا أظهر الزوج سوء معاملة شديدة، فمن حق الزوجة الانفصال.[34]

(3) الموضوع الثالث الذي يناقشه بولس تاليًا، هو البقاء في زيجة مع طرف غير مؤمن. كانت كورنثوس كنيسة حديثة النشأة لا يتعدى عمرها بضعة أعوام. من المرجح أن أزواجًا وزوجات قد قبلوا الإيمان بينما ظل الشريك على ديانته. في السياق الحضاري الروماني، كان على الزوجة أن تعترف وتعبد ديانة آلهة زوجها (Plutarch, Moralia I.140D).[35]يُقدم بولس هنا حلاً بديلاً للطرفين، فإن ارتضى طرف أن يبقى مع الطرف الآخر برغم إيمانه الجديد فليفعل. في العدد 14، يُشير بولس إلى الأولاد، من المُرجح أن بولس كان ينظر إلى الأسرة كوحدة مُتكاملة ستتضرر في حالة الانفصال، لذا فهو يؤكد على قداسة البقاء في هذا الزواج وقداسة الأطفال. من المُرجح أن بولس على هذا الأساس يستخدم المقدس والنجس بصورة مجازية، لا طقسية.[36] بالتأكيد لا ينظر بولس للزواج هنا بنفس الطريقة التي ينظر بها للزواج المسيحي، ففي حالة الزواج المُختلط هذا، من الممكن أن يرحل الطرف المؤمن إن لم يرغب الطرف الآخر غير المؤمن في الاستمرار، مُبررًا ” فَكَيْفَ تَعْلَمِينَ، أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ، مَا إِذَا كَانَ زَوْجُكِ سَيَخْلُصُ عَلَى يَدِكِ؟ أَوْ كَيْفَ تَعْلَمُ، أَيُّهَا الزَّوْجُ، مَا إِذَا كَانَتْ زَوْجَتُكَ سَتَخْلُصُ عَلَى يَدِكَ؟” (عدد 16) بينما، في حالة الزواج مسيحي الطرفين فلا يجوز للطلاق أن يحدث بحسب وصية الرب يسوع. الجدير بالذكر أن الزواج في العالم الروماني، كان عقدًا مدنيًا، لم يكن مرتبطًا بالدين بأي شكل من الأشكال، ولم تشمل مراسمه على أي طقس ديني، مما يعني بالنسبة لبولس أنه لا يوجد أي بُعد ديني وثني في بقاء الطرفين معًا.[37]أيضًا، واحد من العناصر المهمة في الطلاق في العالم الروماني، هو أن إرادة طرف واحد في الطلاق كان كافيًا لإنهاء الزواج، لم يكن مطلوبًا أن يوافق الطرفين[38]، لهذا يقول بولس “وَلَكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ فَلْيُفَارِقْ.” (عدد 15).

—–

[1] Lena Larsson Lovén and Agneta Strömberg, eds., Ancient Marriage in Myth and Reality (New Castle: Cambridge Scholars Publishing, 2010), 12.

[2] Lovén and Strömberg, Ancient Marriage in Myth and Reality, 1.

[3] See: Robert S. Walker et al., “Evolutionary History of Hunter-Gatherer Marriage Practices,” PLOS ONE 6.4 (2011): 1–6; Malina Novkirishka-Stoyanova, “Marriage and Procreatio in Ancient Rome,” Yearb. Law Dep. 9.10 (2020): art. 10, pp. 74–129; Carlos Sánchez-Moreno Ellart, “Marriage, Greece and Rome,” in The Encyclopedia of Ancient History (John Wiley & Sons, Ltd, 2012); Beryl Rawson, ed., Marriage, Divorce, and Children in Ancient Rome (Oxford: Clarendon Press, 1991); Hugh Carter and Paul C. Glick, “Marriage and Divorce: A Social and Economic Study,” in Marriage and Divorce (Harvard University Press, 2013); Lovén and Strömberg, Ancient Marriage in Myth and Reality; T. M. Lemos, Marriage Gifts and Social Change in Ancient Palestine: 1200 BCE to 200 CE (Cambridge University Press, 2010); Jack Goody, The Oriental, the Ancient and the Primitive: Systems of Marriage and the Family in the Pre-Industrial Societies of Eurasia, First Edition. (Cambridge; New York: Cambridge University Press, 1990).

[4] Michael Horton, Introducing Covenant Theology (Grand Rapids: Baker Books, 2009), 30.

[5] Elaine June Adler, “The Background for the Metaphor of Covenant as Marriage in the Hebrew Bible” (Ph.D., University of California, Berkeley, 1990), 2.

[6] Adler, “The Background for the Metaphor of Covenant as Marriage in the Hebrew Bible,” 3.

[7] See: M. Weinfeld, “Covenant Terminology in the Ancient Near East and Its Influence on the West,” J. Am. Orient. Soc. 93.2 (1973): 190–99.

[8] .مونت و سميث, العهد: رحلة من الاغتراب إلى المصالحة (القاهرة: جذور للترجمة والنشر والتوزيع, 2011), 14.

[9] Horton, Introducing Covenant Theology, 10.

[10] سميث, العهد: رحلة من الاغتراب إلى المصالحة, 30.

[11] سميث, العهد: رحلة من الاغتراب إلى المصالحة, 33.

[12] وَحَدَثَ لَمَّا أَتَاهَنِي اللهُ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَنِّي قُلْتُ لَهَا: هذَا مَعْرُوفُكِ الَّذِي تَصْنَعِينَ إِلَيَّ: فِي كُلِّ مَكَانٍ نَأْتِي إِلَيْهِ قُولِي عَنِّي: هُوَ أَخِي

[13] Nelson Glueck, Hesed in the Bible, trans. Alfred Gottschalk, Second Edition. (Cincinnati, Ohio: Hebrew Union College Press, 1967), 40.

[14] Glueck, Hesed in the Bible, 102.

[15] سميث, العهد: رحلة من الاغتراب إلى المصالحة, 16.

[16] سميث, العهد: رحلة من الاغتراب إلى المصالحة, 186.

[17] سميث, العهد: رحلة من الاغتراب إلى المصالحة, 187.

[18] Abraham Fuks, “The Nature of Metaphor,” in The Language of Medicine, ed. Abraham Fuks (Oxford University Press, 2021), 0.

[19] القاموس الموسوعي للعهد القديم, n.d., 168.

[20] Craig S. Keener, And Marries Another: Divorce and Remarriage in the Teaching of the New Testament (Grand Rapids, MI: Baker Academic, 1991), 31.

[21] James R. Mueller, “The Temple Scroll and the Gospel Divorce Texts,” Rev. Qumrân 10.2 (38) (1980): 247–56.

[22] Jeffrey H. Tigay, Deuteronomy, The JPS Torah commentary (Philadelphia: Jewish Publication Society, 1996), 221

[23] Craig S. Keener, vol. 1, Matthew, The IVP New Testament commentary series (Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press, 1997), Mt 19:7

[24] Grant R. Osborne, Matthew (Grand Rapids, MI: Zondervan, 2010), 704

[25] David Wheeler-Reed, Jennifer W. Knust, and Dale B. Martin, “Can a Man Commit Πορνεία with His Wife?,” J. Biblic. Lit. 137.2 (2018): 385

[26] David Janzen, “The Meaning of Porneia in Matthew 5.32 and 19.9: An Approach from the Study of Ancient Near Eastern Culture,” J. Study New Testam. 23.80 (2001): 66–80.

[27] Keener, And Marries Another, 17.

[28] Theological Dictionary of the New Testament, ed. Gerhard Kittel, Geoffrey W. Bromiley, Gerhard Friedrich et al., electronic ed., 3:170-171 (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1964).

[29] Cynthia Long Westfall, Paul and Gender: Reclaiming the Apostle’s Vision for Men and Women in Christ (Grand Rapids, MI: Baker Academic, 2016), 45.

[30] See: Philip R. Bosman, “Utopia, Domestication and Special Status: Marriage and Family in the Stoic Tradition,” Acta Patrist. Byzantina 21.2 (2010): 5–18; Tad Brennan, “Epicurus on Sex, Marriage, and Children,” Class. Philol. 91.4 (1996): 346–52.

[31] أنظر توماس سي. أودين وجيرالد براي. رسالتا بولس الرسول إلى أهل كورنثوس, التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدس، العهد الجديد 7 (لبنان: منشورات جامعة البلمند, 2015).

[32] Robert E. Picirilli, 1, 2 Corinthians, First Edition, The Randall House Bible Commentary (Nashville, TN: Randall House Publications, 1987), 94

[33] Ju Evans Grubbs, Women and the Law in the Roman Empire: A Sourcebook on Marriage, Divorce and Widowhood (London: Routledge, 2002), 187.

[34] Michael Peachin, ed., The Oxford Handbook of Social Relations in the Roman World, Oxford Handbooks (Oxford: Oxford University Press, 2011), 487.

[35] Caroline Johnson Hodge, “Married to an Unbeliever: Households, Hierarchies, and Holiness in 1 Corinthians 7:12–16,” Harv. Theol. Rev. 103.1 (2010): 2.

[36] Hodge, “Married to an Unbeliever,” 15.

[37] Rawson, Marriage, Divorce, and Children in Ancient Rome, 33.

[38] Rawson, Marriage, Divorce, and Children in Ancient Rome, 34.


إرسال تعليق

أحدث أقدم