رجل وثلاثة أوجه: رحلة أحمد الشرع من الجهاد إلى الحكم في سوريا الجديدة

 

يُعد أحمد حسين الشرع، المعروف بلقبه السابق "أبو محمد الجولاني"، أكثر الشخصيات محورية في المشهد السوري المعاصر، حيث شهدت مسيرته تحولات جذرية من قائد جهادي إلى رئيس انتقالي للجمهورية العربية السورية. فبعد أن قاد تحالف "هيئة تحرير الشام" في حملة عسكرية مدتها 12 يوماً أطاحت بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، أصبح الشرع الحاكم الفعلي لسوريا، وفي 29 يناير 2025، تم تعيينه رسمياً رئيساً مؤقتاً للبلاد.

النشأة والخلفية الاجتماعية

ولد أحمد الشرع عام 1982 في العاصمة السعودية الرياض لعائلة سورية سنية تنتمي في أصولها إلى هضبة الجولان، والتي اكتسب لقبها "الجولاني" منها. تنحدر عائلة الشرع من قرية فيق في منطقة القنيطرة بالجولان السوري، وتحديداً من قرية جبعين القريبة من فيق، عاصمة منطقة الزاوية في جنوب محافظة القنيطرة. وقد أكد الشرع هذا الارتباط في مقابلة مع شبكة PBS الأمريكية عام 2021. ووفقاً للمصادر المتاحة، كانت عائلة الشرع من ملاك الأراضي الإقطاعيين في المنطقة، وتدعي العائلة في تقاليدها الشفوية أن نسبها يعود إلى النبي محمد (ص).

والده، حسين علي الشرع المولود عام 1946، هو مهندس بترول وناشط قومي عربي سابق، عمل في المملكة العربية السعودية حيث وُلد أحمد. أما جده، علي محمد الشرع، فكان من ملاك الأراضي في منطقة فيق، بينما شارك جده لأمه، محمد خالد الشرع، وأعمامه في النضال ضد الاستعمار الفرنسي لسوريا. هذه الخلفية العائلية في المقاومة والنضال السياسي تركت بصماتها الواضحة على تكوين أحمد الشرع الفكري والسياسي.

تعرضت عائلة الشرع للتهجير القسري عام 1967 إثر احتلال إسرائيل للجولان خلال حرب الأيام الستة، مما جعل قضية الأرض المحتلة والمقاومة جزءاً أساسياً من الهوية العائلية. نشأ أحمد في السعودية حتى عام 1989، عندما عادت العائلة إلى سوريا واستقرت في دمشق. تلقى تعليمه الأساسي والثانوي في دمشق، حيث عاش في بيئة متوسطة الحال تتميز بالثقافة والتعليم. والده المهندس والمثقف وفر له بيئة تعليمية جيدة، لكن الظروف السياسية القاسية في سوريا تحت حكم حافظ الأسد، إضافة إلى القصص العائلية حول التهجير من الجولان والظلم التاريخي، خلقت لديه وعياً مبكراً بالقضايا السياسية والاجتماعية.

خلال سنوات المراهقة والشباب المبكر، تأثر بالخطاب الإسلامي والقومي، خاصة في ظل الأحداث الإقليمية المتسارعة مثل انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000 والتحضيرات الأمريكية لغزو العراق. هذه العوامل مجتمعة شكلت الأرضية الفكرية والنفسية التي دفعته لاحقاً للانخراط في العمل المسلح والجهادي. وبحسب المصادر، كان مسجد الشافعي في حي المزة بدمشق، حيث نشأ، مركزاً لكثير من أفراد حركات المقاومة الإسلامية، وكان خالد مشعل، رئيس حماس السابق، دائم الصلاة فيه، مما أثر بشكل مباشر على طريقة تفكيره. كما تأثر أيضاً بأحداث 11 سبتمبر والغزو الأمريكي للعراق.

التجربة الجهادية الأولى

مع اقتراب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، اتخذ أحمد الشرع، البالغ من العمر حوالي 21 عاماً، قراراً مصيرياً بالسفر إلى العراق للمشاركة في المقاومة ضد القوات الأمريكية. في مقابلة مع شبكة CNN، صرح الجولاني بأنه لم يتوجه إلى العراق للانضمام إلى "القاعدة"، بل هبّ للدفاع عن العراقيين، وأنه في خضم انتشار الجماعات وجد نفسه في أحضان تنظيم متشدد، نافياً تورطه بأي انتهاكات ضد مدنيين خلال نشاطاته في العراق.

كان دافعه الأول كان أيديولوجياً ودينياً، حيث رأى في الغزو الأمريكي للعراق عدواناً على الأمة الإسلامية يتطلب الجهاد للدفاع عنها. الدافع الثاني كان قومياً وسياسياً، فالعراق بلد عربي شقيق يتعرض للاحتلال، مما أيقظ في نفسه المشاعر القومية التي ورثها عن والده وعائلته. أما الدافع الثالث فكان شخصياً، حيث رأى في هذا الجهاد فرصة لتحقيق هدف نبيل وإثبات الذات في مواجهة الظلم والعدوان.

انضم الجولاني إلى تنظيم القاعدة في العراق تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، وقاتل لمدة ثلاث سنوات في صفوف التنظيم ضد القوات الأمريكية والعراقية. خلال هذه الفترة، اكتسب خبرة عسكرية قيمة في حرب العصابات والعمليات الخاصة، كما تعرف على شبكات واسعة من المقاتلين من مختلف الجنسيات العربية والإسلامية. بعد فترة في العراق، انضم إلى جماعة سرايا المجاهدين تحت قيادة أبي طلحة العراقي، التي كانت تابعة للقاعدة، وكل هؤلاء كانوا تحت قيادة أبي مصعب الزرقاوي. مع الوقت، ترقى الجولاني وتقرب جداً من الزرقاوي لدرجة أنه ذُكر في بعض المصادر التي تم مصادرتها من التنظيم. في عام 2008، بايع أبا بكر البغدادي، زعيم الدولة الإسلامية في العراق (داعش)، وبذلك أصبح عضواً في "أكبر تنظيم إرهابي دولي."

شارك في عشرات العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية والحكومة العراقية، وبرز كقائد ميداني شاب يتمتع بالشجاعة والذكاء التكتيكي. لكن هذه التجربة لم تدم طويلاً، حيث ألقت القوات الأمريكية القبض عليه عام 2006 وسجنته في معتقل "كامب بوكا" في جنوب العراق، وهو نفس السجن الذي ضم لاحقاً أبو بكر البغدادي، الذي أصبح فيما بعد زعيم تنظيم داعش.

فترة السجن الأمريكي، التي امتدت من 2006 إلى 2011، شكلت محطة فاصلة في حياة الشرع. فخلال هذه السنوات الخمس، تعمقت معرفته الدينية والسياسية من خلال اللقاءات والنقاشات مع المعتقلين الآخرين، الذين ضموا مجموعة متنوعة من القادة والمفكرين الإسلاميين. كما طور مهاراته القيادية والتنظيمية، واكتسب فهماً أعمق لاستراتيجيات العمل السري والمقاومة.

صعوده القيادي

خرج أبو محمد الجولاني من السجن الأمريكي عام 2011 رجلاً مختلفاً، أكثر نضجاً وخبرة وطموحاً. عودته إلى سوريا تزامنت مع بداية الثورة السورية في مارس 2011، مما وفر له الفرصة المثالية لتطبيق ما تعلمه في العراق والسجن على أرض الواقع السوري.

في أغسطس 2011، وبتوجيه من أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق (داعش لاحقاً)، أسس الجولاني "جبهة النصرة لأهل الشام"، التي أعلنت عن نفسها رسمياً في يناير 2012. هذا التنظيم الجديد طرح نفسه كفرع سوري لتنظيم القاعدة، لكن بأسلوب أكثر براغماتية ومراعاة للخصوصية السورية. في جبهة النصرة، دعا أتباعه إلى شن هجمات انتقاماً لمذبحة الحولة في سوريا. أكد عزمه على إقامة دولة في منطقة الشام (وليس سوريا فقط) بوسائل عنيفة. وقد تسببت العديد من الهجمات التي نفذتها جبهة النصرة تحت قيادة أبي محمد الجولاني في وفيات مدنيين. ومع ذلك، نفى الجولاني في مقابلة مع FRONTLINE أنه أصاب أي أبرياء خلال عملياته، مدعياً أنهم كانوا يستهدفون ثكنات عسكرية أو كانوا في ساحات القتال حيث لا يوجد مدنيون. يتناقض نفي الجولاني إلحاق الأذى بالمدنيين مباشرة مع تقييم الأمم المتحدة بأن العديد من هجمات جبهة النصرة تحت قيادته تسببت في وفيات مدنية.

نجح الجولاني في بناء تنظيم عسكري وسياسي قوي بفضل عدة عوامل استراتيجية. العامل الأول كان التركيز على المعارك الحاسمة ضد النظام السوري، مما جعل جبهة النصرة جاذبة للمقاتلين السوريين الذين يريدون قتالاً فعالاً ضد الأسد. العامل الثاني كان تجنب الاشتباك مع الفصائل الثورية الأخرى في البداية، والتركيز على العدو المشترك وهو النظام.

العامل الثالث كان الاستفادة من الخبرة العسكرية والتنظيمية التي اكتسبها في العراق، حيث طبق تكتيكات حرب العصابات بطريقة متطورة، واستخدم العمليات الاستشهادية بفعالية كبيرة ضد مواقع النظام الحساسة. العامل الرابع كان بناء شبكة قوية من التمويل والإمداد من خلال علاقاته الإقليمية والدولية.

لكن العلاقة مع البغدادي وتنظيم الدولة تعقدت سريعاً. في أبريل 2013، أعلن البغدادي دمج جبهة النصرة في تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) دون استشارة الجولاني، مما أثار أزمة كبيرة. رفض الجولاني هذا الدمج وأعلن البيعة المباشرة لأيمن الظواهري زعيم القاعدة المركزية، مما أدى إلى انشقاق دائم مع داعش وصراع مفتوح بين التنظيمين.

هذا الموقف عزز من مكانة الجولاني كقائد مستقل وذكي، قادر على التنقل بين التحالفات المعقدة دون فقدان استقلاليته. في عام 2016، أعلن قطع العلاقة مع القاعدة بعد تفاقم الخلافات في استراتيجية العمليات والجهاد العابر للحدود، وتأسيس "هيئة تحرير الشام HTS" كتنظيم سوري مستقل، في خطوة براغماتية. في العام التالي (2017)، دمج "جبهة النصرة" بتنظيمات أخرى لتأسيس "هيئة تحرير الشام"، التي سعت إلى تقديم نفسها كقوة محلية تهدف إلى إدارة المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها. قدمت “هيئة تحرير الشام” نفسها كقوة محلية مستقلة عن القاعدة، ذات أجندة سورية بحتة وليست جهادية عابرة للحدود. أزاح الجولاني أو طرد معظم الأصوات المتشددة وغير السورية التي عارضت التحول الأيديولوجي الظاهري للهيئة. إن "سورنة" هيئة تحرير الشام، بما في ذلك تهميش العناصر الأجنبية والمتشددة، كانت استراتيجية متعددة الطبقات. داخلياً، عززت سيطرة الجولاني بإزالة المنافسين المحتملين والأصوليين الأيديولوجيين الذين قد يتحدون تحولاته البراغماتية. خارجياً، هدفت إلى جعل هيئة تحرير الشام أكثر قبولاً لدى المجتمعات السورية المحلية، والأهم من ذلك، للقوى الإقليمية والدولية التي كانت حذرة من الجماعات الجهادية العابرة للحدود. 

عمليات جبهة تحرير النصر/هيئة تحرير الشام

زعمت جبهة النصرة، تحت قيادة الجولاني، مسؤوليتها عما يقرب من 600 هجوم، بما في ذلك 40 هجوماً انتحارياً، بين نوفمبر 2011 ويوليو 2013. نفذت جبهة النصرة عدداً من الهجمات الإرهابية في سوريا، وقد تسببت العديد من هذه الهجمات، التي جرت تحت قيادة الجولاني، في وفيات مدنيين. في عام 2015، شاركت النصرة في هجوم جسر الشغور. في نوفمبر 2024، شن أحمد الشرع هجوماً استمر 11 يوماً ضد نظام الأسد، محققاً انتصارات سريعة في حلب وحماة وحمص ودمشق، مما أدى إلى سقوط النظام في 8 ديسمبر 2024.

تطور الأسلوب والاستراتيجية

شهدت السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً في أسلوب الجولاني وخطابه السياسي. من الخطاب الجهادي الثوري في بدايات تأسيس جبهة النصرة، إلى خطاب سياسي أكثر اعتدالاً يركز على الحكم المحلي وتقديم الخدمات للمواطنين. هذا التحول لم يكن مجرد تكتيك إعلامي، بل يعكس فهماً عميقاً لمتطلبات البقاء والنجاح في البيئة السياسية المعقدة. استفاد الجولاني من تيارين أساسيين وأضاف "مدرسة ثالثة" في خطه: جاء من خلفية الإخوان المسلمين، ثم استخدم مظلة القاعدة في التصدي للدولة التي حاولت دمج التنظيمين في سوريا والعراق، ثم بعد ذلك فك ارتباطه بالقاعدة وأطلق نموذجاً جديداً مُقارب لداعش يركز على قضية الحكم والمأسسة، بمعنى إدارة الدولة وليس قضية الصدام مع أمريكا واسرائيل. طورت هيئة تحرير الشام نموذج حكم "تكنوقراطي" من خلال إنشاء حكومة الإنقاذ السورية، مما يتناقض مع الأحكام المتشددة التي تُربط عادةً بالسلفية الجهادية. اتسمت مسيرة الجولاني - كزعيم لهيئة تحرير الشام - ببراغماتية شديدة ساهمت في نجاحها واستمرارها، حيث دفعته تلك البراغماتية للتخلي عن خلفيته الراديكالية المتزمتة، وشرع في تغيير قناعاته بسرعة فائقة وبصورة متكررة كلما اقتضت مصلحته ذلك. تمكن من فرض سيطرته على مناطق كثيرة في إدلب، وكان شغله الشاغل في الفترة الأخيرة محاربة أي عناصر داعشية أو تابعة للقاعدة. عمل منذ قدومه إلى سوريا على عدم الوقوع في عزلة عسكرية، ووطد علاقاته مع فصائل من الجيش الحر وفصائل إسلامية أخرى.

من خلال "الحكومة السورية المؤقتة" في إدلب، نجح في بناء مؤسسات شبه حكومية تقدم الخدمات الأساسية للسكان، من التعليم والصحة إلى القضاء والأمن. هذه التجربة في الحكم المحلي أكسبته خبرة قيمة في الإدارة والحكم، ووفرت له شرعية شعبية نسبية في المناطق التي يسيطر عليها.

نجح الجولاني في تحويل العديد من خصومه السابقين إلى حلفاء، ونجح في حل الفصائل المدعومة من تركيا في الأجزاء الشمالية من سوريا. كان الجولاني أحد أشد خصوم مدير التوجيه المعنوي السابق في الجيش الوطني السوري، لكنهما أصبحا حليفين في عملية "ردع العدوان". واجه تحديات وصراعات مع فصائل أخرى مثل حراس الدين (الفرع الرسمي للقاعدة في إدلب) وداعش، وقام بحملة ناجحة ضدهم لترسيخ سلطته. يسعى لتوحيد الفصائل وبناء جيش سوريا.

بسط النفوذ والوصول إلى الحكم الفعلي

في إعلان تاريخي، أكد العقيد حسن عبد الغني، الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية، في 29 يناير 2025، اختيار الشرع لتولي رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية، مع إقرار إلغاء دستور 2012 وحل حزب البعث العربي الاشتراكي ومجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق. بصفته الرئيس الانتقالي، أصبح أحمد الشرع الوجه الدولي الجديد لسوريا، حيث كانت جماعته، هيئة تحرير الشام، التي كانت في السابق تابعة لتنظيم القاعدة ثم انفصلت عنه، هي رأس الحربة في الحملة العسكرية ضد الأسد التي قادها الشرع في ديسمبر 2024 لإسقاط نظام الأسد. وخلال 12 يوماً فقط، نجحت قوات "هيئة تحرير الشام" وحلفاؤها في السيطرة على حلب ثم حماة وحمص، وصولاً إلى دمشق في 8 ديسمبر 2024.

هذا النجاح العسكري السريع لم يكن مجرد صدفة، بل نتيجة تخطيط استراتيجي طويل المدى واستغلال ذكي للظروف المحلية والإقليمية المواتية. ضعف النظام السوري، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا، كلها عوامل ساعدت على نجاح هذه الحملة.

منذ سيطرته على دمشق، بدأ الشرع في تطبيق نموذج الحكم الذي طوره في إدلب على نطاق أوسع. التحدي الأكبر كان كسب ثقة المجتمع السوري المتنوع، خاصة الأقليات الدينية والعرقية التي تخشى من حكم إسلامي متشدد. لهذا الغرض، تبنى خطاباً تصالحياً يؤكد على الوحدة الوطنية واحترام التنوع، وعين شخصيات من مختلف الطوائف في الحكومة الانتقالية.

في 29 يناير 2025، تم تعيينه رسمياً رئيساً مؤقتاً لسوريا من قبل مجلس تم تشكيله لهذا الغرض، مما أضفى شرعية دستورية على حكمه الفعلي. هذا التعيين جاء بعد مشاورات واسعة مع مختلف القوى السياسية والاجتماعية السورية، في محاولة لبناء توافق وطني حول القيادة الجديدة.

منذ توليه السلطة، تبنى الشرع لهجة أكثر اعتدالاً، داعياً إلى التعايش وأقام علاقات دبلوماسية مع دول غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة. بلغ هذا التحول ذروته في لقاء غير مسبوق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض في 14 مايو 2025، حيث وصفه ترامب بأنه "شاب جذاب وقوي". هذا التطور يشير إلى تحول دراماتيكي في مسيرة الشرع، من شخصية مصنفة كإرهابية ومطلوبة دولياً إلى رئيس مؤقت لسوريا يحظى بالاعتراف من قوى دولية كبرى. هذا ليس مجرد تغيير في المسمى الوظيفي؛ إنه يعكس إعادة تقييم جوهرية لدوره وشرعيته من قبل المجتمع الدولي. حقيقة أنه أصبح الآن "الوجه الدولي" لسوريا والتقى بالرئيس الأمريكي تشير إلى قبول براغماتي لسلطته، على الرغم من ماضيه. هذا يعني أن أولويات السياسة الدولية، مثل الاستقرار ومكافحة الإرهاب والانتقال بعد الأسد، قد طغت على المواقف الأيديولوجية أو العقابية السابقة. كما يوحي بأن جهوده الداخلية لتقديم نفسه كشخصية معتدلة قد حققت مكاسب دبلوماسية كبيرة. هذا التحول في التصور والتعامل يمثل اتجاهاً أساسياً حاسماً في المشهد السوري.

ردود الفعل والانتهاكات المتواصلة

وصول أحمد الشرع إلى السلطة في سوريا أثار ردود فعل متباينة على المستويين المحلي والدولي. محلياً، هناك ترحيب واسع بإنهاء حكم الأسد وآمال بتحسن الأوضاع المعيشية والسياسية، لكن هناك أيضاً مخاوف من طبيعة النظام الجديد وقدرته على تحقيق التطلعات الشعبية.

لهذا فعلى الرغم من جهود الجولاني العلنية لتقديم صورة "معتدلة" وحماية الأقليات، تشير التقارير الموثقة إلى استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات ذات الدوافع الطائفية والتمييز ضد الأقليات. هذا التناقض يشير إلى أن الخطاب العام هو واجهة استراتيجية، بينما تستمر الممارسات الاستبدادية والمدفوعة أيديولوجياً. إن استمرار التعذيب، والاختفاء القسري، والقيود الدينية تحت حكم هيئة تحرير الشام يعني أن "الاعتدال" هو في المقام الأول للاستهلاك الخارجي ولا يترجم إلى تغييرات جوهرية في ممارسات الحكم على الأرض، خاصة فيما يتعلق بالمعارضة وحقوق الأقليات

لهذا فعلى الرغم من جهود الجولاني العلنية لتقديم صورة "معتدلة" وحماية الأقليات، تشير التقارير الموثقة إلى استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات ذات الدوافع الطائفية والتمييز ضد الأقليات. هذا التناقض يشير إلى أن الخطاب العام هو واجهة استراتيجية، بينما تستمر الممارسات الاستبدادية والمدفوعة أيديولوجياً. إن استمرار التعذيب، والاختفاء القسري، والقيود الدينية تحت حكم هيئة تحرير الشام يعني أن "الاعتدال" هو في المقام الأول للاستهلاك الخارجي ولا يترجم إلى تغييرات جوهرية في ممارسات الحكم على الأرض، خاصة فيما يتعلق بالمعارضة وحقوق الأقليات

ورغم الطمأنينات التي قدمها الشرع حول احترام حقوق المسيحين والعلويين والدروز ومشاركتهم في الحكم. فجبهة النصرة متهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك استهداف مجتمعات الأقلية الدرزية. واصلت هيئة تحرير الشام ارتكاب بعض انتهاكات حقوق الإنسان نفسها، بما في ذلك التعذيب، والإخفاء القسري، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والقتل في الاحتجاز. استخدمت “هيئة تحرير الشام” الاعتقال التعسفي والملاحقة الجنائية لأسباب متنوعة، بما في ذلك معاقبة المحادثات الخاصة المتعلقة بالمسائل الدينية بتهمة "التشهير والتجديف". أفادت التقارير أن “هيئة تحرير الشام” استولت على سجون الحكومة وأنشأت سجوناً إضافية، واستخدمتها للاعتقال بدوافع طائفية، والاختطاف، وطلب الفدية ضد أفراد الأقليات. تعرضت الأقليات الدينية، بما في ذلك غير المسلمين السنة والدروز، لاستهداف طويل الأمد بالتمييز والمضايقة والإجبار على اعتناق المذهب السني من قبل الجماعات السنية المسلحة. هناك تقارير عن تدمير مدارس، وقتل أطفال ونساء. دولياً، الموقف أكثر تعقيداً. الولايات المتحدة وأوروبا تتبنى موقف "انتظار ومراقبة"، حيث تطالب بإجراءات ملموسة تثبت التزام الحكومة الجديدة بالديمقراطية وحقوق الإنسان قبل رفع العقوبات والاعتراف الكامل. تركيا، الداعم الرئيسي للشرع، تلعب دوراً مهماً في تسهيل هذا الانتقال وبناء الثقة مع المجتمع الدولي.

إسرائيل تراقب الوضع بقلق، خاصة فيما يتعلق بمستقبل العلاقات مع سوريا وموقف النظام الجديد من المقاومة الفلسطينية وحزب الله. إيران وروسيا، اللذان فقدا نفوذهما في سوريا مع سقوط الأسد، يحاولان التكيف مع الواقع الجديد والحفاظ على ما أمكن من مصالحهما.

خاتمة وسيناريوهات مستقبلية

تمثل شخصية أحمد الشرع "الجولاني" ظاهرة فريدة في المشهد السياسي الشرق أوسطي المعاصر. من مقاتل شاب في صفوف القاعدة إلى رئيس مؤقت لدولة بحجم سوريا، تجسد مسيرته التحولات الجذرية التي شهدتها المنطقة خلال العقدين الماضيين. هذا التطور يطرح أسئلة مهمة حول طبيعة القيادة السياسية والأيديولوجية في سوريا المستقبل، وهو ما يفرض عدة سيناريوهات:

السيناريو الأول هو النجاح في بناء نظام سياسي مستقر وديمقراطي يحترم التعددية ويحقق التنمية الاقتصادية. هذا السيناريو يتطلب نجاح الشرع في كسب الثقة الدولية وجذب الاستثمارات وإعادة الإعمار، إضافة إلى بناء مؤسسات قوية وشفافة.

السيناريو الثاني هو الانزلاق إلى الفوضى أو الحرب الأهلية، إذا فشل في إدارة التوترات الطائفية والاجتماعية أو في مواجهة التحديات الاقتصادية الهائلة. هذا السيناريو قد يؤدي إلى تدخل دولي جديد وتقسيم فعلي لسوريا.

السيناريو الثالث هو الاستقرار النسبي مع تحول الدولة السورية إلى دولة شبيهة بأفغانستان أو ايران، حيث ينجح الشرع في منع الانهيار الكامل لكن مع دولة يحكمها التطرف والارهاب. هذا السيناريو قد يؤدي إلى استمرار العقوبات الدولية وبقاء سوريا في دائرة عدم الاستقرار الإقليمي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم