تُشير تقارير حقوقية إلى
تزايد تشير تقارير حقوقية إلى تزايد حالات اختفاء الفتيات المسيحيات في مصر وإجبارهن
على اعتناق الإسلام خلال العقد والنصف الأخير، لا سيما بعد عام 2011. على سبيل
المثال، يُشير تقرير منظمة Coptic Solidarity والذي حمل
عنوان "الجرائم الخفية والخداع العلني: وباء الاختطاف والاختفاء
القسري للنساء والفتيات القبطيات" أنه في مصر "نساء قبطيات في مصر يَختَفين
من منازلهن… ويُحتَجزن كأسيرات ويتعرّضن للاغتصاب والاعتداءات…
والزواج القسري والإجبار على اعتناق الإسلام."
لكن هل هذا هو ما يَحدث بالفعل؟ لا يُمكن التأكيد بصورة مُطلقة أنه لا تحدث حالات اختطاف قسرية حيث يتم على سبيل المثال، اختطاف فتاة عنوة وهي تسير في الطريق واجبارها على اعتناق الإسلام. من الجائز أن تكون هناك حالات قد حدثت لكن لم يتم رصد أيًا منها بصورة مؤكدة. على الجانب الآخر، يُمكن التأكيد أن غالبية حالات الاختفاء والأسلمة تتم بصورة مغايرة تمامًا.
مآرب شتى
تكشف الحالات والتي يتم
تناولها على وسائل التواصل الاجتماعي، باختفاء فتاة ثم عودتها بعد تدخل الأمن
الوطني، أو الكنيسة، أو عناصر أخرى، أن الفتيات قد بدأن علاقة اختيارية في الظاهر
مع الطرف المُسلم، ثم تُستخدم هذه العلاقة تاليًا كأداة لقطع أي احتمال لعودة
الضحية إلى أسرتها، سواء خوفًا من الفضيحة أو عن قناعة حقيقية ورغبة في الزواج هذا
الطرف.
هناك أسباب أخرى، تكشف أيضًا
دراسة هذه الحالات، أن نسوة متزوجات يقررن التحول إلى الإسلام إما لفشلهن في
الحصول على الطلاق، أو الوقوع في براثن علاقة عاطفية مع شخص مسلم، نتيجة زواج
اُكرهت عليه. أيضًا، تكون الرغبة في الانتقام من العائلة أو الكنيسة دافعًا لهذا
التحول.
براءة ظاهرية
يقر الباحثون في التقارير الحقوقية أن هناك حالات
زواج قد تكون بموافقة الفتاة، خاصة إذا كانت هربت من أسرة تعاني من عنف أو فقر
شديد؛ فكما اعترفت ميشيل كلارك أمام لجنة
الاستماع في الكونجرس الأمريكي، «ليس كل حالات
الاختفاء ناتجة عن الاختطاف، وليس كل حالات الزواج قسرية، وبعض حالات التحول يمكن
أن تكون طوعية». بيد أن الأغلب العُظمى من الشهادات تؤكد مشاركة الخداع والإكراه
في أغلب العلاقات التي تُفضي إلى تغيير العقيدة. فقد وُجد أن ضحايا كثيرات «قلن
نعم» لأمور مفيدة في ظاهرها –
كالصداقة والأمل بعلاقة أفضل –
إلا أن «ضحاياهن لم يوافقن فعليًا على انتزاعهن من عائلاتهن إلى الأبد أو على اعتناق
دينٍ جديد قهرًا».
لا توجد براءة لأحد هنا. فالطرف المسلم الذي يوافق
على التورط في هذا النوع من العلاقات بحسن نية، يعلم التداعيات الاجتماعية لهذا
الأمر في المجتمع المصري، ومع ذلك يقرر المضي قدمًا. على الجانب الآخر، تكشف
الحملات الدعائية الممنهجة والتي تُنشر من خلال منشورات وفيديوهات للفتيات وهن
يحملن شهادات أسلمتهن -والصادرة عن الأزهر الشريف= ويقلن الشهادة، أن الأمر ليس
مجرد علاقة عاطفية بريئة، بل هو أمر ممنهج ومُموّل.
يبدأ الأمر بالاستدراج
والاغراء الخفي للفتيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، المدرسة، الدروس الخصوصية،
الجامعة، العمل، أو حتى الجيرة. وعند التورط -حتى ولو بدون علاقة جنسية- تبدأ
آليات العزل الكامل والإكراه والابتزاز في العمل بكامل طاقتها، حتى لا يبقى للضحية
أي مجال واضح للاختيار الحر.
من جانب آخر، تتهم التقارير
الجهات الحكومية بأنها تتنصل من مسؤوليتها، وتستخدم ما يعرف بـ«جلسات الصلح» التي تضغط
على الضحايا للتنازل عن حقوقهن القانونية، بدلًا من ملاحقة الجناة قضائياً. بل إن تقارير
تُشير إلى حالات قامت الشرطة وجهاز الأمن الوطني «بالتستر على الاعتداءات أو حماية
الجناة» ومساعدة بعض الخاطفين على الهروب. كما يتم اتهام الأزهر الشريف بالإسراع
في اصدار شهادات اعتناق الإسلام دون النظر إلى سن الفتيات اللاتي يكن في الغالب في
سن المراهقة وأحيانًا قُصّر.
لكن، يجب الإشارة أنه في
الأغلب الأعم من الحالات يقوم الأمن الوطني بإعادة الفتاة خلال أيام إلى عائلتها.
جناة آخرون
من السهل الإشارة بأصبع
الاتهام المباشر، والقاء الأمر كله على الجماعات التي تستهدف استدراج الفتيات
صغيرات السن، وتوريطهن لإجبارهن على التحول القسري عن المسيحية. بالتأكيد، لا
يُمكن غض الطرف عن هذه المسألة. ولا يُمكن غض الطرف عن الدعم الذي يلقاه هؤلاء من
جهات شتى. لكن، أيضًا هناك جناة آخرون. وهي المجتمع المسيحي، والعوائل المسيحية.
لا يُمكن إنكار، أن بِنْيَة
الأسرة تعاني بشدة الآن، ويظهر ذلك في ازدياد حالات الطلاق والانفصال، يُضاف الي
ذلك الضغوط الاقتصادية الشديدة والتي تدفع بالأب والأم للعمل في بعض الأحيان في
أكثر من وظيفة. أدى هذا إلى تشظي الأسرة، يُترك الأبناء إلى أنفسهم، لا أحد
يسمعهم، لا أحد يهتم، يكفي فقط محاولة تسديد الاحتياجات المادية. يُصاحب ذلك في
بعض الأحيان، عزلة للمراهقة في الكنيسة، أو المدرسة. مما يزيد من ضغط الاحتياجات
النفسية والعاطفية لهذا السن. عندما تضعف الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية
السوية، يشعر الأبناء –وخاصة في مرحلة المراهقة–
بالضياع والبحث عن هوية مستقلة دون توجيه كافٍ. هذا يعني البحث عن ملاذات بديلة: فيلجأ
بعض المراهقين إلى صداقات سلبية أو عوالم افتراضية كبديل للتواصل العاطفي. وفي ي ظل
غياب الحوار والدعم الأسري، قد تكون المراهقات أقل قدرة على استيعاب العواقب المحتملة
للعلاقات العاطفية، وهذا ما يعرفه جيدًا هؤلاء الصيادون عن فرائسهم. نشرت قناة DW (الألمانية)
تقريرًا بيّن أن بعض الشباب
والشابات يجدون في علاقات مختلطة دينياً متنفساً لاحتياجاتهم العاطفية التي لا تُلبّى
في سياق الأسرة أو الجماعة التقليدية.
الجانب الآخر في هذه الأزمة،
هي قضية الطلاق والخلافات الزوجية. كان أبرز القضايا المتعلقة بالخلافات الزوجية،
هي قضية "كاميليا شحاتة" زوجة القس «تادرس سمعان» كاهن دير مواس بالمنيا،
والتي أشهرت اسلامها عام 2010. وكذلك، قضية " وفاء
قسطنطين" زوجة كاهن آخر من أبو المطامير بالبحيرة والتي أشهرت اسلامها عام
2004. وقام الأمن الوطني وقتها بإعادتهما إلى عوائلهم بعد تفجر الأمور. ظهرت
كاميليا عام 2011 في برنامج سؤال جريء مع الأخ رشيد وأعلنت أن اختفاءها من المنزل
كان بسبب خلافات زوجية مع زوجها. لاحقًا، وفي العام المنصرم 2024، أعلنت الطبيبة
المصرية سالي نسيم (30 عام) تحولها للإسلام، وأشارت إلى خلافات مع زوج أختها
الكاهن. يكشف هذا الجانب عن أزمة الزواج والطلاق المسيحي في مصر (وهو امر قد ناقشته في مقال آخر يُمكن الاطلاع عليه هنا)، والتي تجعل السبل تتقطع بالزوجة، فتدفعها إما عن
التحول عن المسيحية أو الوقوع في براثن علاقة عاطفية لا تستطيع الخروج منها.
ماذا بعد؟
عندما تُهمل الاحتياجات النفسية والعاطفية للمراهقات
نتيجة الضغوط الأسرية والاجتماعية، يزداد احتمال لجوئهن إلى ملاذات عاطفية خارج
الإطار الأسري، وقد تكون مع أشخاص من دين مختلف أو حتى مع نفس الدين والتي أيضًا قد تكون نتائجها
كارثية. وعندما تُهمل الاحتياجات النفسية والعاطفية والمعاناة التي تعانيها الزوجة
في إطار زواج مضطرب، يزداد احتمال سقوطها في نفس الفخ الذي تسقط فيه المُراهقة.
هنا، على الخدمات المنتشرة
في الكنائس، أن تعمل على تعزيز التواصل الأسري والدعم العاطفي للمراهقين،
والمتضررين نفسيًا. عن طريق تشجيع الأبوين على تخصيص وقت للاستماع الفعّال لأبنائهم
وبناتهم، وتشجعين أولادهم على التعبير عن المشاعر دون حكم مسبق. كذلك، عمل ورش تنمية
المهارات الأبوية حول التعاطف والتفهم، وتمكين الأهل من التعرف إلى مظاهر العزلة العاطفية
لدى المراهقات والتدخل المبكر. أيضًا، توجيه الأبوين لإنشاء فضاءات آمنة للمراهقات
لمناقشة العلاقات العاطفية دون لوم أو تقريع أو اتهامات. أما فيما يخص الخلافات
الزوجية، فيُمكن الرجوع إلى المقال المشُار إليه قبلاً.