في عام 1979 انتهت الثورة الإيرانية -والتي بدأت عام 1978- بسقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، الدستوري والمُتحالف مع الغرب، وقيام جمهورية إسلامية تُهيمن عليها السلطة الدينية.
النظام السياسي في إيران اليوم هو نظام جمهوري
إسلامي هجين، يجمع بين مؤسسات ديمقراطية (كالبرلمان والانتخابات) من جهة، وبين
بنية دينية أيديولوجية تُخضع هذه المؤسسات لسلطة رجال الدين وعلى رأسهم المرشد
الأعلى من جهة أخرى. ومنذ
قيام الثورة الإسلامية عام 1979 بقيادة روح الله الخميني، صُمم النظام
ليكون تحت إشراف ما يُعرف بـ ولاية الفقيه، وهي النظرية التي تمنح رجل
الدين الأعلى، الفقيه المجتهد، صلاحية قيادة الدولة والمجتمع باسم الإسلام والشريعة.
يتكوّن النظام الإيراني من عدة مؤسسات مُتشابكة، بعضها يتم انتخابه شعبيًا، والبعض الآخر يُعين من قِبَل السلطة الدينية. كما يلعب الحرس الثوري دورًا جوهريًا ليس فقط كقوة عسكرية، بل أيضًا كفاعل اقتصادي وأمني وسياسي. ويُمكن تفكيك هذه النظام إلى العناصر التالية:
أولاً: المرشد الأعلى (ولي الفقيه)
هو رأس السلطة المطلقة في إيران، وفقًا للدستور الإيراني
(المادة 110). يُختار من قِبل "مجلس خبراء القيادة"، وهو هيئة من رجال الدين
تُنتخب شعبيًا شكليًا، لكنها عمليًا خاضعة للمؤسسة الدينية الحاكمة. من صلاحياته:
-
لقائد
العام للقوات المسلحة والحرس الثوري.
-
تعيين
رئيس السلطة القضائية، ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، وقادة الحرس الثوري.
-
المصادقة
على سياسات الدولة العليا.
-
إعلان
الحرب والسلم.
-
الإشراف
على انتخابات الرئاسة والبرلمان.
حاليًا، يشغل المنصب آية الله علي خامنئي منذ عام
1989، بعد وفاة الخميني.
ثانيًا: الحرس الثوري الاسلامي (سپاه پاسداران انقلاب اسلامی)
تأسس عام 1979 بأمر الخميني، ليكون ذراعًا موازية
للجيش النظامي، مهمته الأساسية حماية الثورة الإسلامية من الأعداء
الداخليين والخارجيين. يملك وسائل إعلام، ومؤسسات
تعليمية، ويموّل مرشحين في الانتخابات، وله تمثيل غير رسمي في البرلمان والحكومة. كما يسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد، من
خلال شركات تابعة له مثل "خاتم الأنبياء"، وهي شركة مقاولات ضخمة. يمتلك الحرس فرعًا قويًا
يُعرف بـ فيلق القدس (سپاه قدس)، مسؤول عن العمليات الخارجية، ويُعتبر
الذراع القتالي الإيراني خارج الحدود. وهو الذي يُشرف مباشرة على حزب الله. كذلك، لواء
فاطميون، (لشکر فاطمیون) هو تشكيل عسكري شيعي يضم مقاتلين أفغان، تم إنشاؤه وتدريبه
ودعمه من قبل فيلق القدس. ظهر اللواء في سياق الحرب السورية، كجزء من مشروع إيراني
واسع لتعزيز نفوذها الإقليمي، من خلال تعبئة ميليشيات طائفية في مناطق النزاع، لا سيما
في سوريا والعراق.
من مهام الحرس الثوري:
-
الأمن
الداخلي والسيطرة على الاحتجاجات والمعارضة.
-
عمليات استخباراتية
داخلية وخارجية.
-
التدخل
العسكري في دول الإقليم (مثل العراق، سوريا، لبنان، اليمن).
ثالثًا: مجلس خبراء القيادة (مجلس خبرگان رهبری)
يتكون المجلس من 88 عضوًا يُنتخبون بالاقتراع العام
المباشر من الشعب لمدة 8 سنوات. ويشترط في المرشحين أن يكونوا:
-
من
رجال الدين الشيعة.
-
فقهاء
مجتهدين (أي لديهم القدرة على استنباط الأحكام الشرعية).
-
موالين
لنظام الجمهورية الإسلامية ومبدأ "ولاية الفقيه".
يتم فلترة المرشحين عبر مجلس صيانة الدستور، الذي
يتحقق من ولائهم العقائدي وصلاحيتهم الدينية، مما يجعل الانتخابات موجَّهة وخاضعة
للرقابة السياسية. الصلاحيات الأساسية لهذا المجلس هي:
تعيين المُرشد الأعلى
-
مراقبة أداء المُرشد
-
عزل المُرشد (وهي صلاحية لم تُستخدم قط حتى اليوم)
رابعا: مجلس
صيانة الدستور (شورای نگهبان)
هذا المجلس هو أداة لضمان الولاء الأيديولوجي للنظام. يتكون من: 6 فقهاء
يُعيّنون من قبل المرشد الأعلى. و6 حقوقيين يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويصوّت
عليهم البرلمان. من صلاحياته:
-
مراجعة
القوانين الصادرة من البرلمان، ورفض ما يخالف الشريعة أو الدستور.
-
الإشراف
على الانتخابات، بما يشمل: رفض ترشيحات الرئاسة
والبرلمان، ومنع المرشحين غير الموالين للنظام من الترشح.
خامسا: رئيس
الجمهورية (رَئيسِ جُمهور)
هو المسؤول التنفيذي الأعلى، يُنتخب مباشرة من الشعب
كل أربع سنوات، بحد أقصى ولايتان.
لكن صلاحياته مقيدة بسلطة المرشد ومجلس صيانة
الدستور. من مهامه تعيين الوزراء، وتنفيذ السياسات
العامة، رئاسة مجلس الأمن القومي الأعلى (ولكن بتنسيق مع المرشد).
لهذا المنصب قيوده، فالمرشد قادر على إقالته أو منعه
من تنفيذ بعض السياسات. كما أن المرشحون لمنصب رئيس الجمهورية المرشحون
يخضعون لموافقة مجلس صيانة الدستور، وبالتالي لا يصل إلى المنصب إلا من يُرضي
المؤسسة الدينية.
سادسًا: جلس الشورى الإسلامي (البرلمان) (مجلس شورای اسلامی)
يتكون من 290 نائبًا يُنتخبون شعبيًا. وهو يشرّع
القوانين، ويصادق على الميزانية، ويراقب الحكومة. لكن
كل قراراته تخضع لمراجعة مجلس صيانة الدستور.
سابعًا: مجلس تشخيص مصلحة النظام (مجمع تشخیص مصلحت نظام)
هو هيئة استشارية تأسست لحل النزاعات بين البرلمان
ومجلس صيانة الدستور. أعضاؤه يُعيّنون من قبل
المرشد، وبعضهم من شخصيات الحرس الثوري أو رجال الدين.
ثامنًا: السلطة القضائية (قوه قضائیه)
هي إحدى السلطات الثلاث في الدولة (التنفيذية، التشريعية،
القضائية)، إلا أنها تتميز عن نظيراتها في النظم الديمقراطية بكونها ليست مستقلة استقلالًا
حقيقيًا، بل تخضع بشكل مباشر لسلطة المرشد الأعلى, ما يجعلها أداة بيد السلطة الدينية
– الأمنية في إحكام القبضة
على المجتمع. يرأسها فقيه يُعيّنه المرشد
مباشرة، وهو من أبرز أدوات النظام في قمع المعارضة، حيث يدير:
- محاكم الثورة
(التي تُحاكم المعارضين).
- السجون السياسية.
- الرقابة على الإعلام والانترنت.
تاسعًا: المؤسسة الدينية (الملالي)
كلمة الْمُلَّا (ج. مَلَالِي، وهو تحريف للفظ العربي مولى)
وتعني فقيه مسلم. يُطلق على من بلغ درجات متقدمة من الاجتهاد لقب آية الله أو آية الله
العظمى. تُعدّ مؤسسة الملالي الركيزة الأيديولوجية والشرعية الأساسية التي يقوم عليها
كل البناء السياسي والدستوري للجمهورية الإسلامية. فالملالي ليسوا مجرد رجال دين يؤدّون
دورًا روحيًا، بل هم فاعلون سياسيون، مشرّعون، وقادة مؤسسات سيادية، ويشكلون شبكة مؤسساتية
عميقة النفوذ تهيمن على القرار في كافة المجالات. هؤلاء الملالي هم الذين يتولّون قيادة
مؤسسات الدولة، أو يوجهونها عبر سلطتهم الشرعية أو تأثيرهم العقائدي. ويُعتبر المؤسسة
الدينية والحرس الثوري شريكان في الحكم.
رغم وجود عدة اتجاهات داخل الحوزات العلمية، فإن التيار
الولائي المرتبط بالمرشد يحتكر التأثير السياسي، وتبرز سلطته من خلال:
- إشراف رجال الدين
على التعليم والإعلام والقضاء.
- تمويل المؤسسات
الدينية من الخُمس والزكاة والأوقاف.
- التحكم في المناهج
التربوية والتعليم الديني.
عاشرًا: الجيش النظامي (ارتش جمهوری اسلامی ایران)
يوجد جيش تقليدي، لكنه ثانوي بالنسبة للحرس الثوري،
ومهمته الأساسية الدفاع الوطني، دون تدخل في الشؤون السياسية. أما الحرس
الثوري، فهو الفاعل العسكري الأيديولوجي والسياسي غم
أن الجيش هو القوة العسكرية الأصلية للدولة، فإن النظام الإيراني أعاد تشكيل ميزان
القوى بعد 1979 لصالح الحرس الثوري، معتبرًا أن "الجيش النظامي قد لا يكون مواليًا
كفاية لثورة الإمام الخميني". ولهذا، ظل الجيش محدود التأثير السياسي نسبيًا مقارنة
بالحرس الثوري.